12 ألف طفل من ذوي الاحتياجات في مهب المجهول والجمعيّات على شفير الانهيار
في خضم الانهيار المالي – الاقتصادي منذ خريف 2019 في لبنان وما تبعه من ارتفاع صاروخي في معدّلات الفقر والبطالة، وما أضيف إليه من جائحة كورونا وتداعياتها، وما أعقبه من إنفجار بيروت المزلزل في 4 آب 2020، ثمة ركيزة أساسية في الأمن الإجتماعي اللبناني كانت تدّق ناقوس الخطر قبل هذه التواريخ وتحذّر في الإعلام وعبر تحرّكات وتظاهرات من انفجار اجتماعي جرّاء الانهيار الذي كان يهدّدها، إنّها الجمعيات التي تعنى بالأطفال ذوي الإحتياجات وهي غابت عن المشهد منذ “17 تشرين”. فهل حلّت مشاكلها في زمن تفاقم المشاكل أم ضاعت صرخة وجعها في صخب المخاطر التي تعصف بلبنان وشعبه؟
الجواب بديهي على سؤال نظري، هذه الجمعيّات زادت مآسيها مآسٍ وضاع صوتها على وقع أصوات الانهيارات من أموال المودعين الى الأدوية المهددة برفع الدعم. 102 عدد الجمعيات المنضوية في “الاتحاد الوطني لشؤون الإعاقة” والمتعاقدة مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وهي في الأساس على شفير الانهيار بسبب سداد الدولة لها سعر كلفة عن الشخص وفق مؤشر الغلاء العام 2011 رغم ما تلا ذلك من غلاء للمعيشة وإرتفاع للاسعار وإقرار “سلسلة الرتب والرواتب”. فكيف بالحري اليوم مع الانهيار الدراماتيكي لسعر صرف الليرة أمام الدولار والذي لامس عتبة الستة أضعاف؟!
إلى جانب ذلك، تضاف مشاكل عدّة منها أنّ العام 2020 شارف على نهايته ولم توقّع العقود بعد. فهي ما زالت تدقَّق في ديوان المحاسبة فيما آخر مهلة لإرسالها إلى وزارة المال قبل20 كانون الأوّل. كما أنّ جميع هذه الجمعيات لم تتقاضَ مستحقات الفصل الرابع من العام 2019 وثلثها لم يتقاضَ مستحقات الفصل الثالث ولا داعي للسؤال عن مستحقات العام 2020.
كذلك ارتفعت مصاريف الجمعيّات لمواكبة جائحة كورونا (من كمامات وملابس خاصة وأدوات تعقيم خصوصاً أن أوضاع بعض الاطفال دقيقة) وحجم عائلات الأطفال المتعثرة مادياً جراء البطالة المتفاقمة. هذا وتواجه الجمعيات خسارة عدد من أفراد طواقمها بسبب فقدان الرواتب لقيمتها ولجوء بعضهم من أطباء ومعالجيين فيزيائيين وممرضات وممرضين ومتخصصين في تقويم النطق للهجرة في ظل كثرة الطلب على العاملين في القطاع الصحي.
منسق الإتحاد الوطني لشؤون الإعاقة ومدير مؤسسة الهادي للإعاقة السمعية والبصرية وإضطرابات اللغة والتواصل الشيخ إسماعيل الزين يؤكد لـ”أحوال” أن “الخدمات التي تقدمها هذه الجمعيات أساسية وملحة وليس من باب الرفاهية”، مضيفاً: “صحيح أن دافعنا الأول هو رسالتنا الإنسانية ولكنها تتطلب مقومات مادية كي نستطيع الإستمرار. نحن نغطي نحو 12 الف طفل منهم 8600 طفل وفق عقود مع وزارة “الشؤون”، من بينهم نحو 6 الآف طفل يعانون من التوحد والتأخر العقلي وهذه حالات صعبة جداً لا يمكن تركها على عاتق الاهل. اذا حسبنا المعوقين مع الايتام والاولاد المعرّضين للخطر، فهذا يعني أنّ نحو 40 الفاً مع عائلاتهم مهددين بفقدان الرعاية اللازمة لهم والآلاف من العاملين في الجمعيات مهددين بفقدان عملهم. تعبنا من الوعود والوعود من قبل المسؤولين والقول لنا مطالبتكم محقة”.
يتابع الزين: “كورونا وتسارع الحوادث حالا دون تحرّكنا على الأرض، لكننا اليوم وصلنا الى الخط الاحمر. منذ نحو 7 اشهر لم نستطع الحصول كإتحاد على موعد من الوزير رمزي مشرفية وكذلك مع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب. للإنصاف إجتمعنا مراراً مع وزير المال غازي وزني لمتابعة مسألة العقود إذ تبين لنا أن “الشؤون” لم تكن تتابعها”.
أردف: “العقود كانت ترسل الى وزارة المال قبل إنطلاق كل عام، تأخرت عام 2019 في عهد الوزير ريشار قيومجيان لكنه إستطاع إبرامها قبل نهاية العام كما نجح بإرسال أول ثلاثة فصول من العام 2019 الى المالية حيث سددت (إلا نحو ثلث الجمعيات لم تتقاض الفصل الثالث لنقص بعض المستندات ودوّر الفصل الرابع).
تجدر الإشارة الى أن عدم إقرار موازنة العام 2019 حتى تموز خلق معضلة قانونية لتوقيع العقود أمام قيومجيان. لذا رفع كتاباً في آذار 2019 إلى مجلس الوزراء للسماح له بالتوقيع وفق ما كان قائماً عام 2018 بانتظار الموزانة، فأجاز له الأخير بذلك في حزيران. لكنه واجه ايضاً بيروقراطية وبطءاً غير مفهومين بإعداد العقود داخل الإدارة، فإتخذ تدابير عدة وقام بإحالة القضية الى التفتيش المركزي.
موازنة العام 2020 أقرت في أواخر كانون الثاني الماضي، ويستغرب الزين لماذا تأخر إرسال العقود الى الديوان حتى الشهر الماضي. وهو أشار من جهة أخرى الى أن “بعض الجمعيات تركّز على خدمة الأطفال السوريين على حساب اللبنانيين حيث بإمكانها الحصول على Fresh money لأن منظمات كـ”اليونيسف” و”UNHCR” تعطي الأولوية للأطفال النازحين”.
رئيسة جمعية “سيزوبيل” السيدة فاديا صافي تشاطر الزين قوله “نسير الى المجهول والإنفجار الإجتماعي”، وتضيف لـ”أحوال”: “من حق الاطفال أن تهتم بهم دولتهم ومن واجب الدولة القيام بذلك. لا أحد يسأل عنا واقعنا كجمعيات ونحن نعمل من دون غطاء قانوني، فلا عقود وقّعت ولا أموال سدّدت. نحن شركاء الدولة ويدها التنفيذية ويجب إحترام هذه الشراكة الإنسانية الإجتماعية”.
“لدى “سيزوبيل” توجد عقود مع “وزارة الشؤون” ن للاهتمام بحو 200 طفل، لكن بعد إنهيار الليرة أصبحت المبالغ التي تسدّدها الوزارة تتيح عملياً الإهتمام بـ20 طفلاً وغداً لا نعلم العدد”، تقول صافي وتتوقف عند تداعيات كورونا، موضحة: “لدينا1300 طفل بينهم 300 يحضرون الى المؤسسة يومياً. في ظل الإغلاق كنّا مجبرين على العلاج عن بعد ولكن لا يملك الجميع كمبيوترات. كما إضطررنا لمخالفة الإغلاق في حالات التوحد كذلك زرنا المنازل في حالات ملحّة كالعلاج التنفسي. ثم أوقفنا النقل ليس فقط بسبب كورونا بل الكلفة وهناك 90 طفلاً فقط من الـ300 يأتيون بواسطة أهلهم. كما هناك عقود مع الجيش يسدّدونها أيضاً وفق التعرفة قبل إنهيار الليرة. أي طفل يخرج من المؤسسة لا نستطيع إستقبال طفل جديد بدلاً منه”.
تتابع: “إنقطاع الأطفال عن العلاج سيتطلب جهداً مضاعفاً ومزيداً من الألم لإعادتهم الى لياقتهم. فحضورهم في المنازل زاد من قلقهم وإضطراباتهم ومن الضغوط على عائلاتهم ومن حاجة الجميع الى علاج نفسي. psychotherapy أنشانا خلية أزمة ودرسنا حاجات العائلات وحاولنا توفير الدواء والغذاء. العلاج لا ينتظر ولا المتابعة الطبية”.
تختم صافي: “لا أحد إهتم بحالنا في ظل الإنهيار المالي كما في كورونا لا السراي ولا خلية الأزمة ولا “الشؤون” التي أحالتنا الى إتباع توصيات وزارة التربية وهذه لا تنطبق علينا. طالبنا مواعيد من المسؤولين ولم يردوا علينا. لسنا أولوية في بلد كلبنان حيث الإنهيار المالي والإقتصادي شامل إلى جانب جائحة كورونا العالمية وتداعيات إنفجار بيروت. طمرونا بالأكل والملابس المستعملة ولكن المطلوب خطة طوارئ شاملة تقارب واقع الجمعيات وفق أطر علمية وتنفذ خطوات إستباقية للمخاطر المرتقبة”.
تواصلنا مع مكتب الوزير مشرفية لإستيضاح الأمور والشكاوى التي وردت، فأشار الى أن بياناً سيصدر في هذا الشأن هذا الأسبوع. اليوم 12 الف طفل من ذوي الإحتياجات في مهب المجهول والجمعيات على شفير الإنهيار والحكومة “غائبة عن الوعي”، لذا ربما يجب السعي لإدراج هذا الملف على جدول أعمال المجتمع الدولي للمساعدات الإنسانية قبل الإنفجار.
جورج العاقوري